لماذا يؤذي البعض أنفسهم؟ فهم إيذاء النفس وأسبابه النفسية

 

لماذا يلجأ بعض الأشخاص إلى إيذاء أنفسهم؟

هل شعرت يومًا بأن الألم النفسي أصبح أكبر من أن يُحتمل؟
قد يلجأ البعض في هذه اللحظات إلى جرح أنفسهم أو إلحاق الأذى بأجسادهم، ليس لأنهم يريدون الموت، بل لأنهم يبحثون عن شعور مؤقت بالتحكم أو الراحة وسط فوضى داخلية لا تُحتمل.

إيذاء النفس ليس سلوكًا بسيطًا أو رغبة في لفت الانتباه. إنه صرخة صامتة من أعماق الألم، يحاول بها الشخص أن يعبّر عمّا لا يستطيع قوله بالكلمات. في هذا المقال، سنتأمل معًا معنى إيذاء النفس، أسبابه النفسية العميقة، والمساعدة المتاحة للتعافي منه.

  ما ستجده في المقال

1.       ما هو إيذاء النفس؟
2.       لماذا يلجأ الأفراد إلى إيذاء أنفسهم؟
3.      المفاهيم الخاطئة حول إيذاء النفس
4.      لماذا من المهم طلب المساعدة؟
5.      كيف يساعد العلاج النفسي في التعافي؟
6.      الأسئلة الشائعة 

 

 ما هو إيذاء النفس؟

إيذاء النفس، المعروف طبيًا باسم «إيذاء النفس غير الانتحاري»، هو سلوك يقوم فيه الشخص بإلحاق الأذى بنفسه دون نية إنهاء حياته.
قد يأخذ هذا السلوك أشكالًا متعددة مثل: القطع، الحرق، ضرب الرأس، أو خدش الجروح القديمة.

تشير الدراسات إلى أن حوالي 4٪ من البالغين و14٪ من المراهقين قد مروا بهذه التجربة في مرحلة ما من حياتهم. وغالبًا ما يرتبط هذا السلوك باضطرابات مثل الاكتئاب، اضطراب الشخصية الحدّية، واضطرابات الأكل أو الإدمان.

لماذا يلجأ الأفراد إلى إيذاء أنفسهم؟

1. لاستشعار الألم عندما تختفي المشاعر

في بعض الأحيان، يعيش الشخص حالة من الخدر العاطفي — وكأنه فقد القدرة على الشعور بأي شيء.
يحدث ذلك بعد صدمات عاطفية أو اكتئاب شديد أو إساءة متكررة.
 لفهم الفرق بين هذه المشاعر المعقدة، راجع  الفرق بين الحزن والاكتئاب كيف تميز بينهما وتتعامل مع كل حالة

في هذه اللحظات، يصبح الألم الجسدي وسيلة لقول: "أنا ما زلت موجودًا".
فهو يمنحهم إحساسًا مؤقتًا بالحياة، حتى لو كان مؤلمًا.

2. لمعاقبة الذات والشعور بالذنب

الكثير ممن يؤذون أنفسهم يعانون من جلد الذات والشعور بعدم القيمة.
قد يشعرون أنهم يستحقون الألم بسبب أخطاء سابقة أو لأنهم "ليسوا جيدين بما فيه الكفاية".
هذه الفكرة تنشأ غالبًا من تجارب تنمّر، رفض، أو فشل متكرر في العلاقات.
إيذاء النفس هنا يصبح نوعًا من العقاب الذاتي الذي يُخفي تحته ألمًا أعمق من الكلمات.

3. للهروب من المشاعر المؤلمة

عندما تفيض المشاعر السلبية — كالقلق، الغضب، أو الذكريات الصادمة — قد لا يجد البعض طريقة للتنفيس عنها سوى من خلال الألم الجسدي.
إيذاء النفس في هذه الحالة يعمل كوسيلة لتشتيت الانتباه عن الألم الداخلي، وكأن الجرح الجسدي أسهل من مواجهة المشاعر الحقيقية.

لكن هذا "الهروب" مؤقت. فبعد أن يزول الألم، تعود المشاعر بقوة أكبر، مصحوبة بشعور بالذنب والعار. وهكذا يدخل الشخص في دائرة مفرغة من الألم والتأنيب.

4. لتنظيم المشاعر والتعامل مع التوتر

في بعض الحالات، يُستخدم إيذاء النفس كطريقة غير واعية لتفريغ التوتر أو الغضب المكبوت.
الألم الجسدي يُحفّز إفراز هرمونات مثل الإندورفين، التي تُحدث شعورًا مؤقتًا بالراحة أو الاسترخاء. 

 لتعلّم طرق أكثر صحية لتفريغ التوتر، يمكنك مراجعة  7 خطوات لاستعادة هدوئك وتقليل التوتر في العمل بطريقة إنسانية 

لكن مع الوقت، يحتاج الشخص إلى مزيد من هذا الألم ليحصل على نفس الإحساس، مما يجعل السلوك يتحول إلى عادة يصعب كسرها بدون مساعدة مهنية.

مفاهيم خاطئة عن إيذاء النفس

من المهم تصحيح بعض المفاهيم المنتشرة حول هذا السلوك:

• إيذاء النفس ليس وسيلة لجذب الانتباه، في الحقيقة، معظم الأشخاص الذين يؤذون أنفسهم يخفون جروحهم بعناية ولا يرغبون في أن يراها أحد.
• ليس دائمًا مؤشرًا على نية الانتحار، رغم أن هناك ارتباطًا بين إيذاء النفس والأفكار الانتحارية، إلا أن هذا السلوك في كثير من الأحيان يهدف لتخفيف الألم لا لإنهاء الحياة.
• إيذاء النفس لا يعني الضعف، بل هو علامة على أن الشخص يعيش صراعًا داخليًا مؤلمًا ويحتاج إلى الدعم لا إلى الحكم.

لماذا يجب طلب المساعدة؟

إيذاء النفس ليس مجرد عادة يمكن التخلص منها بالإرادة.
إنه نداء استغاثة من داخل النفس يحتاج إلى تفهم ورعاية مهنية.
حتى إن لم تكن هناك نية انتحارية، فإن من يمارس هذا السلوك أكثر عرضة لمحاولات الانتحار لاحقًا، خاصة خلال الأشهر التي تلي آخر نوبة من إيذاء النفس.

طلب المساعدة هنا ليس ضعفًا، بل خطوة شجاعة نحو الشفاء.
الاعتراف بالألم هو أول خطوة نحو تجاوزه.

كيف يساعد العلاج النفسي في التعافي؟

العلاج النفسي لا يركز على السلوك فقط، بل على الجروح العاطفية التي تقف خلفه.
وفيما يلي بعض الأساليب العلاجية الفعّالة:

1. العلاج المعرفي السلوكي (CBT)يساعد الشخص على فهم العلاقة بين أفكاره وسلوكياته، وتعلّم طرق جديدة للتعامل مع مشاعره دون إيذاء نفسه.

2. العلاج الجدلي السلوكي (DBT) يُستخدم كثيرًا مع الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في تنظيم العواطف.
يركّز هذا العلاج على بناء مهارات التعامل مع الضغوط بطريقة صحية مثل التنفس الواعي، التأمل، والتعبير الآمن عن الغضب.

3.العلاج النفسي الفردي أو الجماعي يساعد الحديث مع معالج نفسي أو الانضمام إلى مجموعة دعم على تقليل العزلة والشعور بالخجل.
فحين يسمع الشخص أن هناك من يفهم تجربته، يبدأ في استعادة ثقته بنفسه وبالآخرين.

4. العلاج الدوائي في بعض الحالات، قد يوصي الطبيب باستخدام مضادات الاكتئاب أو القلق إذا كان إيذاء النفس مرتبطًا باضطرابات مزاجية.
لكن الأدوية وحدها ليست كافية — بل يجب أن تُستخدم كجزء من خطة علاج شاملة تتضمن جلسات نفسية منتظمة 

الأسئلة الشائعة

هل إيذاء النفس يعني أني أريد الانتحار؟

ليس بالضرورة. فالكثير ممن يؤذون أنفسهم لا يريدون الموت، بل يبحثون عن راحة مؤقتة من الألم الداخلي

هل يمكن التوقف عن إيذاء النفس دون علاج؟

قد يحدث ذلك نادرًا، لكن العلاج النفسي يزيد فرص الشفاء ويمنع الانتكاس

كيف أساعد صديقًا يؤذي نفسه؟

استمع دون إصدار أحكام، وأخبره أنك بجانبه. شجّعه على طلب المساعدة من مختص نفسي

هل يشعر من يؤذي نفسه بالراحة فعلًا؟

نعم، لكن بشكل مؤقت. الراحة تزول سريعًا ويعود الألم، لذلك يُعد هذا السلوك غير صحي ومؤذٍ على المدى الطويل

ما أول خطوة للعلاج؟

الاعتراف بالمشكلة وطلب المساعدة من مختص نفسي مؤهل هي البداية الحقيقية للتعافي

 إن القدرة على الاعتراف بالخطأ والألم مرتبطة بما تم تناوله في مقال  لماذا يصعب علينا الاعتذار ؟ 

 هل يمكن للقلق الاجتماعي أن يؤدي إلى الاكتئاب؟ نعم، يمكن للقلق الاجتماعي أن يؤدي إلى الاكتئاب في بعض الحالات، خاصة إذا ظل الشخص معزولاً لفترة طويلة. راجع  اضطراب القلق الاجتماعي فهم أعمقوخطوات للتعامل بثقة وهدوء

وفي النهاية تذكّر، مهما كانت جراحك عميقة، فهي لا تعني أنك مكسور.

كل ألم هو رسالة تحتاج إلى أن تُسمع، لا أن تُخنق بالأذى.
في معالج نفساني دوت كوم، يمكنك التحدث مع الدكتور طارق عبد السلام في بيئة آمنة وهادئة، لتتعلم كيف تُعبّر عن مشاعرك بطريقة صحية دون إيذاء نفسك.

احجز جلستك الأولى الآن، وابدأ رحلتك نحو شفاء هادئ وصادق مع ذاتك.

المراجع

https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/self-injury/symptoms-causes/syc-20350950