هل حدث أن نظرت إلى علاقتك وتساءلت: لماذا يتكرّر نفس الشجار وإن تغيّرت تفاصيله؟ ولماذا أشعر أحيانًا أن المسافة بيننا تكبر رغم أن كلينا يريد الخير؟ الحقيقة أن كثيرًا من العلاقات لا تنهار بفعل خطأ واحد صاخب، بل تتآكل ببطء عبر أنماط سلوكية صغيرة نمارسها دون قصد—نحتمي بالمسافة حين نخاف، نلوّح بالرحيل حين نتألم، نلوذ بالصمت حين تضيق الكلمات، أو نُسقِط التقليل على شريكٍ نحبّه لأننا عاجزون عن قول “أحتاجك” بوضوح. هذه الأنماط تُسمّى تخريب العلاقة لأنها تُضعف الأمان والحميمية والتواصل، ومع الوقت تبرّر الانسحاب بدل الإصلاح
هذا السلوك المعقد قد يكون مرتبطاً بـ اضطراب الشخصية الاعتمادية - الأسباب والعلاج وطريق التحرر النفسي
في السطور التالية سنقترب من هذه الأنماط بصدق هادئ، نفهم جذورها العاطفية، ونرسم طريقًا عمليًا للخروج منها. الهدف ليس الاتهام، بل استعادة الوعي: حين ترى ما يحدث، تستطيع تغييره—ببطء، لكن بثبات.
ما ستجده في المقال
- ما هو “تخريب العلاقة” ولماذا يحدث؟
- مسافة الأمان الزائفة: حين نقترب ونحن متراجِعون
- التلويح بالرحيل: عدم الاستقرار كبديل عن الصراحة
- التواصل السلبي: “أنا بخير” التي تُعطّل الشفاء
- التقليل من الشريك: جرح القيمة يطفئ الحميمية
- الصمت وقطع الاتصال: حين يصبح الهروب لغةً يومية
- كيف نوقف التخريب ونبدأ الإصلاح؟
- متى نلجأ لمتخصص علاقات؟
- الأسئلة الشائعة
ما هو “تخريب العلاقة” ولماذا يحدث؟
تخريب العلاقة ليس نية سوء، بل استجابة دفاعية قديمة نحملها من تجارب سابقة: خوف من الرفض أو الهجر، حساسية مفرطة للنقد، صعوبات في الثقة، أو توقعات مثالية تُحبطنا كلما اصطدمنا ببشرية من نحب. حين يشتعل القلق، نختار ما يمنحنا سيطرة سريعة: نبتعد، نهدد، نسكت، أو نهجم، فتخفّ حدة اللحظة، لكن الثمن يكون باهظًا—يتراجع الأمان العاطفي وتضعف القدرة على الإصلاح. فهم هذا المنطق الداخلي لا يبرر السلوك، لكنه يفتح باب التغيير: ما تعلمته لحمايتك يومًا، لم يعد يخدم علاقتك اليوم.
مسافة الأمان الزائفة: حين نقترب ونحن متراجِعون
أحيانًا نُمسك بيد الشريك وقلوبنا متحفّزة للانسحاب. نخشى التعلّق فنُبقي هامشًا ثابتًا من البُعد: لا نتشارك ما يؤلمنا حقًا، لا نسمح له برؤية هشاشتنا، نُقلّل من شأن احتياجاتنا كي لا “نبدو ثقيلين”. يبدو هذا البعد وقاية من الجرح، لكنه في الحقيقة يمنع الحميمية من أن تنمو؛ فالشريك لا يجد طريقًا إلى عالمك الداخلي، فيتكوّن شعور غامض بعدم الارتباط رغم وجود المظاهر كلها. الإصلاح يبدأ من الاعتراف: أنا خائف من الاقتراب، لكنني أريده. هذه الجملة وحدها تفتح نافذة صدق تسمح للآخر بأن يطمئن مخاوفك بدل أن يتأذّى من صمتك.
التلويح بالرحيل: عدم الاستقرار كبديل عن الصراحة
حين يشتد النزاع، قد نلوّح بالانفصال أو نغادر الغرفة مرارًا. أحيانًا يكون الانسحاب القصير صحيًا لخفض الانفعالات، لكن تحويله إلى أداة ضغط يُربك الجهاز العصبي للشريك: لا أمان، لا أرض ثابتة، لا معنى للحوار إذا كانت نهاية كل خلاف “وداعًا”. هذا النمط يَسلب العلاقة قدرتها على التعلّم من الخلافات؛ ويجعل السؤال عن هل أستمر أم أنفصل ؟ كيف تتخذ قرارك العاطفي بوعي وهدوء فبدل أن نسأل “ماذا حدث بيننا؟” ننشغل بترميم قلق الهجر. . ،
البديل الأكثر نضجًا أن نتفق على “استراحة منظّمة”: أحتاج عشرين دقيقة لأهدأ وسأعود لنكمل. الجملة البسيطة تُبقي الجسر بينكما قائمًا حتى في أشد لحظات التوتر.
التواصل السلبي: "أنا بخير" التي تُعطّل الشفاء
نقول “لا شيء، أنا بخير” بينما لغة أجسادنا تبوح بالعكس. نتوقع أن يفهم الشريك وحده ما لا نقوله، ثم نلومه لأنه “لم يلحظ”. هذا تجنّب للنزاع بثمن تراكم الاحتقان. الكلام المباشر لا يعني القسوة؛ يمكننا أن نقول: أشعر بالخذلان حين تُلغى خططنا في آخر لحظة، وأحتاج منك إشعارًا مبكرًا. الجملة تربط الشعور بالسلوك والاحتياج، وتفتح بابًا لحلّ واضح، بدل لعبة التخمين المرهقة.
التقليل من الشريك: جرح القيمة يطفئ الحميمية
سخرية عابرة، لقب جارح، مقارنة مجحفة، أو نبرة “أنا أفهم وأنت لا”—كلها تُشعر الطرف الآخر أنه أقل قيمة. هذا الجرح يتطلب منا مراجعة صورتنا الذاتية. كما في مقال توقف عن كرهك لذاتك - كيف تتصالح مع نفسك وتستعيد احترامك لذاتك
حتى إن قيلت لحظة غضب، تراكمها يخلق بيئة لا يصلح فيها الاقتراب؛ فالحميمية تحتاج مساواة واحترامًا حتى أثناء الخلاف. التوقف هنا يبدأ من وعيٍ بسيط: ما أقوله يحمي كرامتي أم يطعن كرامته؟ وحين نتجاوز، نُصلح بصدق: أخطأت حين قللت من شأنك، وأفهم كيف آذاك هذا. الاعتذار الذي يُرمّم يصف الجرح ويعترف بحجمه.
الصمت وقطع الاتصال: حين يصبح الهروب لغةً يومية
الصمت الوقائي يتحوّل بسهولة إلى انسحاب مزمن: نتجاهل الرسائل، نُؤجل الحديث “حتى يزول التوتر” فلا يزول، يتعلّم كل طرف العيش بعيدًا عن الآخر داخل العلاقة نفسها. هذا الانفصال الهادئ مدمّر لأنه بلا صوت، بلا شجار يقود إلى إصلاح. الإصلاح يبدأ بأن نُعيد إيقاعًا ثابتًا للحوار 3 محادثات يحتاج كل زوجين جديدين إلى إجرائها - مفاتيح التواصل الصحى في الحياة الزوجية
موعد أسبوعي قصير لنتشارك ما أسعدنا وأتعبنا، دون محاسبة ولا دفاع. الاستمرارية هنا أهم من المثالية.
كيف نوقف التخريب ونبدأ الإصلاح؟
ابدأ بالوعي قبل الفعل؛ اسأل نفسك في لحظة الاحتكاك: ما شعوري الأساسي الآن؟ وما احتياجي الحقيقي خلفه؟ كثيرًا ما يكون الغضب غطاءً لخوفٍ من الهجر، أو الحدة قناعًا لطلب طمأنة لم يُصَغ بوضوح. عبّر بلغة تربط الشعور بالسلوك والاحتياج: حين تتأخر دون إخبار أشعر بالتجاهل، وأحتاج رسالة مبكرة تطمئنني. اتفقا على قواعد أمان بسيطة: لا تهديد بالرحيل، لا إهانات، استراحات قصيرة بموعد عودة واضح، ووقت دوري للحوار بعيدًا عن لحظة الانفعال.
وحين تلاحظ نمط المسافة أو الصمت لديك، اقترب خطوة صغيرة آمنة: شارك فكرة شخصية، اطلب حضنًا بدل انسحاب، قل “أنا خائف أن أكون عبئًا” بدل اختبارات الولاء المؤذية. الإصلاح لا يحتاج قفزات، يحتاج تكرارًا لطيفًا يُعيد برمجة جهازكما العصبي على أن القرب آمن.
متى نلجأ لمتخصص علاقات؟
إن ظلت الأنماط تتكرر رغم المحاولات، أو إن كان الماضي مليئًا بجراح خيانة، أو إن أصبحت الحوارات معطلة بالدفاع والصمت، فغرفة العلاج الزوجي تمنحكما خارطة طريق محايدة: تعلّم مهارات الإصغاء دون دفاع، إعادة بناء الأمان بعد الكسر، وتنظيم الخلاف دون إيذاء. هذا هو الدور الذي تلعبه هل الاستشارة الزوجية تمنع الطلاق؟ تعرف على كيف تساعد جلسات العلاج في إنقاذ العلاقة
أحيانًا يحتاج أحدكما—أو كلاكما—جلسات فردية مؤقتة لفكّ عقد أعمق: قلق التعلّق، صدمات سابقة، أو صورة ذاتية متأرجحة
الأسئلة الشائعة
هل أنا “شخص سيّئ” إذا لاحظت هذه الأنماط في نفسي؟
لست سيئًا، أنت إنسان يتألّم ويتصرّف بما تعلّمه للحماية. المسؤولية الآن أن تعترف وتغيّر، لا أن تجلد نفسك
ماذا أفعل إن كان شريكي هو من يلوّح بالرحيل دائمًا؟
ضع حدًا واضحًا وهادئًا: “هذا التهديد يؤذيني ويُعطّل حلّنا، أحتاج أن نتفق على استراحة منظمة بدل الرحيل”. إن استمر، اطلب دعمًا مهنيًا لتأمين قواعد أمان مشتركة
هل الصمت دائمًا مؤذٍ؟
الصمت القصير لتهدئة الانفعال مفيد إذا تبعه “عودة متفق عليها للحوار”. الصمت المزمن الذي يقطع الاتصال هو المؤذي
كيف أبدأ اعتذارًا يرمّم؟
صف ما فعلت، واعترف بأثره عليه، وقدّم التزامًا سلوكيًا محددًا: “سخرتُ من أفكارك أمس وأفهم أنها جرحتك. سأنتبه لنبرة حديثي، وإذا توترت سأطلب استراحة بدل الإهانة

0 تعليقات